للشيخ د. رياض بن محمد المسيميري -حفظه الله تعالى-
هيأ الله تعالى منذ بعثة نبيه صلى الله عليه وسلم أقواما أحبوا رسول الله واهتموا بحديثه فأصغوا إليه وحفظوه ، واستذكروه وراجعوه وسجلوه ودونوه ثم نقحوه وتناقلوه ..
هؤلاء هم أهل الحديث خيار الخلق ، وسادة الدنيا بعد الأنبياء والمرسلين وهم ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم والواسطة بينه وبين الناس إلى يوم القيامة حيث حفظوا حديثه وهديه وسمته ونقلوه إلى من أراد الله به خيرا فنهل من ذاك المعين الزلال, وكرع من ذلك السلسبيل العذب , فمستقل ومستكثر .
وقد خص الله أهل الحديث بأخلاق سامية ، وفضائل عالية ، وآداب كريمة ، وخصال جليلة بحسب ما لديهم من العلوم والفهوم ووفق ما اعتلج صدورهم من الصدق والإخلاص ومن ذلك ما ساقه الخطيب البغدادي (1) – رحمه الله – في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع حيث يقول:" والواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدباً ، واشدّ الخلق تواضعاً ، وأعظمهم نزاهة وتديناً ، وأقلهم طيشاً وغضباً ، لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه ، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه ، وطرائق المحدثين ، ومآثر الماضين ، فيأخذوا بأجملها وأحسنها ويصدوا عن أرذلها وأدونها" .
وقال (2):" وليتق – أي طالب الحديث- المفاخرة والمباهاة ، وأن يكون قصده في طلب الحديث نيل الرئاسة واتخاذ الأتباع وعقد المجالس ، فإنَّ الآفة الداخلة على العلماء أكثرها من هذا الوجه .. ".
وقال وهو يبين الغاية من حفظ الحديث: " وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية ، لا حفظ رواية فإنّ رواة العلوم كثير ورعاتها قليل ، ورب حاضر كالغائب وعالم كالجاهل ، وحامل للحديث ليس معه منه شيء إذ كان في اطراحه لحكمه بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه".
قلت: ومن أهم ما ينبغي أن يتصف به طالب الحديث كما نص على ذلك كثير من العلماء أن يعمل بما علم ، وان يكون علمه زاده إلى مرضاة الله وخشيته وطلب ما عنده من الثواب العظيم و الخير العميم .
قال سفيان الثوري (3) :" إنما يُتعلم العلم ليُتقى به الله وإنما فضل العلم على غيره ، لأنه يُتقي به الله ".
وقال حماد بن سلمة (4) : " من طلب الحديث لغير الله مكر به " .
وقال طاووس (5) :" ما تعلمت فتعلمه لنفسك فإنّ الأمانة والصدق قد ذهبا من الناس ".
وقال أبو العتاهية (6) :
وصفت التقي حتى كأنك ذو تُقى *** وريح الخطايا من ثناياك تسطعُ
ما أقبح التزهيد من واعظٍ *** يُزهِّد الناس ولا يزهدُ
وقال (7) :
ياذا الذي يقرأ في كتبه *** ما أمر الله ولا يعمل
قد بيّن الرحمن مقت الذي *** يأمر بالحق ولا يفعل
وقال ابن مسعود (8 : " كفى بخشية الله علماً ، وكفى بالاغترار بالله جهلاً ، وقال بعض السلف ليس العلم بكثرة الرواية ولكنَّ العلم الخشية".
قال الغزالي (9) في آداب المُحِّدث:" يقصد الصدق ، ويجتنب الكذب ويحدث بالمشهور ، ويروى عن الثقات ويترك المناكير ، ولا يذكر ما جرى بين السلف ، ويعرف الزمان ، ويتحفظ من الزلل واللحن والتحريف ، ويدع المداعبة ، ويقِّل المشاغبة ، ويشكر النعمة اذ جعل في درجة الرسول صلى الله عليه وسلم – أي : يحدث حديثه – ويلزم التواضع ويكون معظم ما يحدث به, ما ينتفع به المسلمون به من فرائضهم وسننهم وآدابهم في معاني كتاب ربهم عز وجل ، ولا يحمل علمه إلى الوزراء ، ولا يغش أبواب الأمراء فإن ذلك يزري بالعلماء ".
وختاماً فإنَّ الانتساب لأهل الحديث شرف لكل طالب علم لكنه لا يدرك بالدعاوى والأماني بل بالجّد والسهر وملازمة الحفظ والمدارسة لميراث محمد صلى الله عليه وسلم ، جعلنا الله في زمرته ، وجمعنا به في جنته وآخر دعوانا إن الحمد لله ربّ العالمين .